بسم الله الرحمن الرحيم
عاشوراء يوم من أيام الله
فضيلة الشيخ محمد الحمود النجدي
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور
أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده
ورسوله..
أيام الله تعالى هي الأيام التي تظهر فيها نعمه أو نقمه .. و
عاشوراء هو من تلك الأيام العظيمة، فإنه اليوم الذي أهلك فيه فرعون و جنده و
نجّى نبيه موسى عليه السلام و قومه ممن آمن به وبرسالته، و قد أمر الله
تعالى موسى عليه السلام بتذكير قومه بهذا اليوم العظيم فقال سبحانه: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور و ذكّرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}
(إبراهيم:5) أي: ادعهم إلى الخير ليخرجوا من الظلمات إلى النور، من الجهل
والضلال، إلى النور والعلم و الإيمان {و ذكرهم بأيام الله} أي: بأياديه و
نعمه عليهم في إخراجه إياهم من أسر فرعون و قهره وظلمه و غشمه، و إنجائه
إياهم من عدوهم، وفلقه لهم البحر، و تظليله إياهم الغمام، و إنزاله عليهم
المنّ و السلوى إلى غير ذلك من النعم، قال ذلك مجاهد و قتادة و غيرواحد من
أئمة التفسير رحمهم الله تعالى (انظر حسن التحرير في تهذيب تفسير ابن كثير 2/ 486).
و قوله: {إنّ في ذلك لآيات لكل صبار شكور}
أي: فيما صنعنا بأوليائنا من بني إسرائيل حين أنقذناهم من يد فرعون، و
أنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين، لعبرة {لكل صبّار}: كثير الصبر ،
أي في الضراء، {شكور} كثير الشكر ،أي في السراء.
و جاء في صحيح مسلم : من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
أن النبي صلى اللـه عليه وسلم لما قدم المدينة رأى اليهود يصومون عاشوراء،
فقال: «ما هذا ؟» قالوا: هذا يوم عظيم، نجّى الله تعالى فيه موسى، فقال عليه الصلاة والسلام: «أنا أولى منكم بموسى» فصامه و أمر بصيامه.
و حثّ على مخالفتهم (أي اليهود)، فعن ابن عباس أيضاً قال: قال رسول الله صلى اللـه عليه وسلم : «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنّ التاسع».
و سئل صلى اللـه عليه وسلم عن صيام هذا اليوم الصالح فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ» رواهما مسلم.
هذا ما ورد بشأن عاشوراء في كتاب الله تعالى و سنة رسوله صلى اللـه عليه وسلم.
و قد أحدث الناس في هذا اليوم محدثات و أمور و بدع لا أصل لها
في دين الله تعالى، يجب إنكارها والتحذير منها، و بيانها لمن يجهلها من
عامة المسلمين.
و قد أبان ذلك بكلام شامل الإمام الرباني شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله تعالى، وذلك في كتابه النفيس «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة
أصحاب الجحيم» و ذلك في معرض كلامه عن الأعياد المخترعة، فقال:
«النوع الثالث: ما هو معظم في الشريعة، كيوم عاشوراء، و يوم
عرفة، و يومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان و العشر الأول من ذي
الحجة، و ليلة الجمعة و يومها، والعشر الأول من المحرم، و نحو ذلك من
الأوقات الفاضلة، فهذا الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة،و توابع
ذلك، ما يصير منكراً ينهى عنه.
مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء، في يوم عاشوراء، من التعطش، و
التحزن و التجمع، و غير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله تعالى و
لا رسوله صلى اللـه عليه وسلم ، و لا أحد من السلف، لا من أهل بيت رسول
الله صلى اللـه عليه وسلم ، ولا من غيرهم، لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه،
أحد سيدي شباب (1) أهل الجنة، وطائفة من أهل
بيته، بأيدي الفجرة الذين أهانهم الله، وكانت هذه مصيبة عند المسلمين، يجب
أن تتلقى بما يتلقى به المصائب، من الاسترجاع المشروع (2)،
فأحدث بعض أهل البدع، في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب. و
ضموا إلى ذلك من الكذب و الوقيعة في الصحابة، البرآء من فتنة الحسين رضي
الـله عنه، وغيرها، أموراً أخرى مما يكرهها الله و رسوله.
و أما اتخاذ أمثال أيام المصائب مآتم، فهذا ليس في دين المسلمين؛ بل هو إلى دين الجاهلية أقرب.
ثم فوتوا بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل، و أحدث بعض الناس
فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة، لا أصل لها، مثل: فضل الاغتسال فيه،
أو التكحل، أو المصافحة، و هذه الأشياء من الأمور المبتدعة، وكلها مكروهة.
و إنما المستحب صومه.
و قد رُوي في التوسيع على العيال فيه آثار معروفة، أعلى ما فيها
حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: «بلغنا أنه من وسع على أهله
يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته». رواه عنه ابن عيينة. وهذا بلاغ
منقطع لا يعرف قائله. و الأشبه أن هذا وُضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة
(1)، و الرافضة، فإن هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً، فوضع أولئك فيه
آثاراً تقتضي التوسع فيه، و اتخاذه عيدا.
و كلاهما باطل.
و قد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى اللـه عليه وسلم أنه قال: «سيكون في ثقيف كذاب و مبير»،
فكان الكذاب المختار بن أبي عبيد، وكان يتشيع للحسن ، ثم أظهر الكذب و
الافتراء على الله(2) و كان فيها الحجاج بن يوسف، و كان فيه انحراف عن علي و
شيعته، و كان مبيراً (3).
و هؤلاء فيهم بدع و ضلال، و أولئك فيهم بدع و ضلال و إن كانت الشيعة أكثر كذباً وأسوأ حالاً.
لكن لا يجوز لأحد أن يغير شيئاً من الشريعة لأجل أحد، و إظهار
الفرح و السرور يوم عاشوراء، و توسيع النفقات فيه، هو من البدع المحدثة
المقابلة للرافضة. و قد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه من
الاغتسال، و الاكتحال و غير ذلك. و صححها بعض الناس، كابن ناصر (4) وغيره،
و ليس فيها ما يصح. لكن رويت لأناس اعتقدوا صحتها، فعملوا بها، و لم
يعلموا أنها كذب، فهذا مثل هذا.
و قد يكون سبب الغلو في تعظيمه من بعض المنتسبة لمقابلة
الروافض، فإن الشيطان قصده أن يحرف الخلق عن الصراط المستقيم، و لا يبالي
إلى أي الشقين صاروا.
فينبغي أن يتجنب جميع هذه المحدثات (5).
انتهى كلامه رحمه الله ... فنسأل المولى جل جلاله أن يهدينا
لصراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما .
(1) كما في حديث الإمام أحمد (3/ 31) و الترمذي (4038) عن أبي
سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى اللـه عليه وسلم :« الحسن و الحسين
سيدا شباب أهل الجنة»
قال الترمذي: حسن صحيح. و هو كما قال.
(2) و هو قول الله تعالى :{الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون ü أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون} (البقرة: 156، 157)
(3) الناصبة: هم الذين ناصبوا أهل
البيت العداء، و وقعوا فيهم بالسب و الإهانة، فجعلوا يوم عاشوراء يوم فرح و
سرور وعيد، شماتة بهم، و كلا الطائفتين وقع في البدعة و الضلالة، و حمى
الله تعالى أهل السنة و الجماعة عن ذلك بفضله.
(4) و قد أظهر بدعته من التشيع و الكهانة و دعوى الوحي، و قتله مصعب بن الزبير سنة 67 هـ.
(5) المبير: الظالم المهلك.
(6) هو محمد بن ناصر بن محمد البغدادي السلامي، توفي سنة (551 هـ).
(7) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 620 - 624) باختصار يسير.