إلى مطر السياب و دون مطره الطوفان
للمرة الثانية، أمزق مسودة هذه القصة، رغم اختمار حكاية الأرضة والبغل بما يكفي، لافتعال تأليف سردي يغري بمتعة جديدة، تطل برأسها أرضة بيضاء،
ثم تأخذ في الدفع بصدرها كأنها تنقذ بقيتها في الرمل من ظلمة قبر، حتى إذا انبطحت لتزحف نحو مساحة ظل من سراب،أوقفتها لحظة، لتدرك أنها قريبة من حافر بغل الأمير في الصحراء،
وجدتِ الأرضة ضالتها في التسلل إلى جلد البغل المربوط الشكيمة إلى صخرة خشنة، و وجدت حاجتي إلى الاستماع لحوار بينهما، لم يشغلني عن التفكير في مضمون الحوار،
سوى هذا العجز عن التحرك لبناء الحكاية منزوع الوعي،رفعت صوت البغل ساخرا من تسلق الأرضة رقبته،عيّرها بأبدية الانبطاح و انعدام المسافة بين البطن و الصدر،
لا تبحث عن غذائها إلا بين مسام جلود الحيوان و فراغات الخشب،ثم انتظرت ما يمكن أن يرد على الخاطر صدورا عن الأرضة في المواجهة،
لتعيّر هي الأخرى البغل بالهجين المحكوم بالعقم أبد الدهر، ولتسمه بحقيقته في الوجود ، وجدت مفردة اللقيط قوية الدلالة،لكني عدلت عنها،
بالرغم من انسحابها في الواقع على الرمز الذي تلبّسه البغل،لا أدري كيف أتعاطف مع خلقته وليس بيني وبينه شبه،يضيع مني رأس الخيط الواصل بين تشتت أفكاري بحثا عن رابط يستقيم معه البناء،
فأجدني أمزق للمرة الثالثة مسودة هذه القصة، أما إذا ادعى أحد قراءة قصة: "الأرضة والبغل" في مكان ما، فليعلم أنه رآها من فيض لاوعيه.